للاشتراك بمجموعة الفاجومى

الجمعة، ديسمبر ٠٨، ٢٠٠٦

الفرعونية في القران الكريم

الفرعونية في القران الكريم
بقلم : الشيخ علي دعموش‏ لا شك ان لفرعون صفات منحرفة كثيرة، فقد كان كافراً، عابداً للأصنام، ظالماً، مجرماً. إلا أن القران طرح بقوة من بين كل هذه الانحرافات مسألة طغيان فرعون واستكباره واستبداده قال تعالى: "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين" القصص / 4. وقال تعالى: "اذهب إلى فرعون إنه طغى" طه / 24. ويمكن القول ان فرعون احتل مكاناً بارزاً في تاريخ الطغاة في الأرض، وانه احتل مكانه هذا بجدارة واقتدار، ذلك انه لم يكن انساناً عادياً. ولا كان طاغية بسيطاً وانما كان طاغية مركباً وجباراً ومستكبراً. كان ملكاً على مصر حين كانت مصر اكبر دولة في الارض، وكان المُتَصور وقد اتاه الله الملك والسلطان ان يتواضع ويشكر.. ولكنه لم يفعل.. وفعل العكس تماماً وقد برزت فرعونية فرعون في سلسلة من الافكار والاعمال والممارسات التي اقدم عليها والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: الاستبداد والطغيان: فان فرعون هو النموذج التقليدي للطغيان والاستبداد، فقد استكبر وعلا في الأرض، وعلى امتداد مصر كلها لم يكن هناك رأي سوى رأيه هو، ولا كانت هناك مشيئة باستثناء مشيئته هو، ولا كانت هناك إرادة غير ارادته هو. لقد ذاب الشعب المصري كله في ارادة فرعون، وصار فرعون هو مصر، وتحولت مصر الى فرعون، وهذا أول ما يفعله استبداد الطغاة بالشعوب، انه يُعدم إرادة الناس ويجهز عليها.. ويدمر حرية الانسان التي هي اهم جزء من كرامته كانسان. وكان اخطر ما فعله فرعون انه ابتدع في الطغيان، وابتكر وتفنن. وكان ذلك هو السبب في ارسال موسى‏الى فرعون حيث يقول تعالى: اذهب الى فرعون انه طغى )طه / 24 ( ويحدثنا القران عن استخفاف فرعون بشعبه وخضوع الشعب له. "فاستخف قومه فأطاعوه" وهذا مظهر اخر من مظاهر طغيانه واستكباره. إذ المفروض ان يؤدي استخفاف الحاكم بشعبه الى ثورة الشعب عليه وعصيانه او على أقل تقدير الى مقاومته والامتناع عن طاعته. هذا هو الاصل المفروض في اي مناخ طبيعي ولكن حكم فرعون لمصر لم يكن حكماً طبيعياً، وانما كان الحكم استبدادياً جائراً قاهراً يتعامل بالسيف مع كل رأي معارض أو مخالف أو تفوح منه رائحة المعارضة أو امكانياتها، وفي الحكم الاستبدادي تلتوي فطرة الناس وتفسد نفوسهم وتتراجع ارادتهم، ويصبح همهم هو النجاة من القتل والعذاب والمطاردة والترويع والسجن. وهذا ما حدث للشعب المصري في عهد فرعون موسى. ومن هنا لم يعد للشعب دور، ولا عادت له ارادة. والمظهر الاخر من مظاهر الطغيان الفرعوني هو استضعافه لجماعة من اهل مصر بشكل دموي سافر كما يعبر عن ذلك القران بقوله "يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين" القصص/4. فقد كان فرعون اصدر أمراً بأن يراقبوا الاطفال الذين يولدون من بني اسرائيل، فان كانوا ذكوراً ذبحهم وان كانوا إناثاً تركهن للخدمة في المستقبل في بيوت الاسرة الحاكمة. وكان يهدف فرعون من وراء عمله هذا القضاء على موسى‏ من حين الولادة، حيث رأى في منامه أن شعلة من النار توهجت من بيت المقدس واحرقت جميع البيوت في مصر، ولم تترك بيتاً لأحد من الأقباط إلا أنها لم تمس بيوت بني اسرائيل بسوء، فسأل الكهنة والمعبرين للرؤيا عن تأويل ذلك، فقالوا له: يخرج رجل من بيت المقدس يكون على يديه هلاكك وزوال حكومة الفراعنة. ولعل ورود جملة "يذبح ابناءهم" بعد جملة "يستضعف طائفة منهم" يوحي بان الفراعنة اتخذوا خطة لاستضعاف بني اسرائيل بذبح الابناء لئلا يستطيع هؤلاء ان يواجهوا الفراعنة ويحاربوهم، وكانوا يتركون النساء اللاتي لا طاقة لهن على القتال والحرب ليكبروا ثم يخدمن في بيوتهم. ويبدو ان مشروع قتل الابناء واستحياء النساء كان قائماً حتى بعد ظهور موسى‏ ومجيئه الى الفراعنة كما يستفاد من قوله تعالى "فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين امنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال" المؤمن / 25. وجملة "يستحيي نساءهم" في الاية يظهر منها انهم كانوا يصرون على ابقاء البنات والنساء، اما لكي يخدمن في بيوت الاقباط، او للاستمتاع الجنسي، او لكلا الامرين معاً، وفي اخر جملة من جمل الاية تأتي الاية بتعبير جامع يلخص كل مظاهر طغيان وبغي وجور فرعون فتقول "إنه كان من المفسدين". وباختصار فان عمل فرعون يتلخص في الفساد والافساد في الارض فاستعلاؤه واستكباره كان فساداً، واستبداده فساد اخر، ومطاردته للناس وتعذيبهم واستضعافهم وذبح ابناءهم واستحياء نساءهم فساد ثالث، وسوى هذه المفاسد كانت لديه مفاسد كثيرة اخرى ايضاً كما سيتضح من خلال ما سيأتي. ادعاؤه الربوبية: لقد ظل فرعون يصعد سلم الكبرياء حتى وصل الى نهايته وتجاوز هذه النهاية واعلن انه هو الرب الأعلى.. وانه لا اله سواه. وهذا ما تحدث عنه القران الكريم بقوله تعالى "ثم ادبر يسعى، فحشر فنادى، فقال انا ربكم الأعلى، فاخذه الله نكال الاخرة والأولى. إن في ذلك لعبرة لمن يخشى". النازعات / 26 - 22. ففرعون لم يكتف بتكذيبه لموسى وعصيانه له، ومقاومته لدعوة الحق والوقوف بوجهها، بل تعدى وتجاوز الحدود بصورة مفرطة جداً، وافترى على الله وعلى نفسه باقبح ادعاء حينما ادعى لنفسه الربوبية على شعبه وأمرهم بطاعته. نعم فحينما يقبع المتجبر في مركب الغرور، وحينما تلفه امواج الانانية المفرطة، حينها.. سيجرفه تيار الافراط لان يدعي لنفسه الربوبية، بل وتجره فقدان البصيرة، وانحسار الفطرة بين ظلمات الانانية ليدعي في نهاية المطاف الربوبية لنفسه. ومن أجل ان لا يخدش معتقدات الناس فقد اخبرهم بانه لا يعارض ما لهم من أصنام يعبدونها، ولكنه فوقها جميعاً فهو المعبود الأعلى. ولعل من المفارقات ان فرعون نفسه كان أحد عبدة الأصنام كما يستفاد من قوله تعالى "أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك" الاعراف / 127 فادعاؤه بانه الرب الأعلى قد سرى حكمه حتى على ربه ليكون عبداً له! وهكذا هو هذيان الطواغيت والفراعنة. وقد ادعى فرعون باكثر من رب الارباب ليضيف الى هذيان الطغاة حماقة، حينما خاطب قومه فيما يحكيه عنه القران "ما علمت لكم من إله غيري"!. وعلى أية حال، فقد حل بفرعون منتهى التجبر والتكبر والطغيان، فأخذه الله جبار السموات والأرض أخذ عزيز مقتدر: "فاخذه الله نكال الاخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى" النازعات / 26 - 25. نعم فقد أُغرق فرعون، وزال ملكه، وسقطت دولته، وصار درساً شاخصاً لكل الطواغيت والجبابرة، وعبرة لمن سار على نهجه الفاسد في كل عصر ومصر. ولا يجني من سار على خطاه سوى ما جنت به يداه، تلك هي سنة الله ولا تغيير ولا تبديل لسنته جل شأنه. سياسة تفريق الناس: فان فرعون ومن اجل تقوية قواعده الاستكبارية فقد اقدم على تمزيق صفوف الناس والتفريق بين اهل مصر "وجعل اهلها شيعاً" وهي سياسة معروفة ومتبعة على امتداد التاريخ وعليها يستند المستكبرون في حكمهم ونفوذهم وسيطرتهم على الشعوب والجماعات السياسية فالسلطة المستكبرة لا تسيطر على الاكثرية إلا بالخطة المعروفة (فرق تسد) وإتباع سياسة الاستفراد مع التكتلات والتجمعات المعارضة او المناوئة، فهم يخافون من التفاف الناس بعضهم حول بعض، ويستوحشون من توحيد الكلمة والموقف، ولذلك يلجأون الى هذه السياسة التي تتكفل بقاءهم ونفوذهم وهيمنتهم على الشعوب، تماماً كما صنعه فرعون مع أهل مصر. وكما يصنعه الفراعنة والطواغيت في كل عصر ومصر. فقد قسم فرعون اهل مصر الى طائفتين: الاقباط والاسباط، فالاقباط هم أهل مصر الاصليون الذين كانوا يتمتعون بجميع وسائل الرفاه والراحة، وكانت في ايديهم مقدرات الدولة واجهزة الحكومة. والاسباط هم المهاجرون الى مصر من بني اسرائيل الذين كانوا على هيئة العبيد والخدم وفي قبضة الاقباط، وكانوا محاطين بالفقر والحرمان، ويحملون أشد الاعباء من دون ان ينالوا من وراء ذلك نفعاً. إن القران الكريم يرسم في مواجهة الفرعونية واستكبارها أملاً امام كل المستضعفين في الارض بقوله تعالى "ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون" ولا خلف لوعد الله أليس الصبح بقريب؟.
طارق المملوك
16-2-2006

هناك تعليقان (٢):

hamasat يقول...

عزيزي طارق
يسعدني ان اكون اول من يعلق علي هذا البوست الجميل
ما ذكرته حقيقة واقعة انه غزو جزء كبير منه ديني وذلك يدعمه العديد من الصور الماخذوه للجنود المسيحيين وتظهر علي وجوههم علامات السرور والابتهاج ومانعلمه من انتهاكات سافرة وهدم للمساجد وهناك ايضا العديد من الصور للاسرائليين من داخل القصر الرئاسي لصدام حسين ولو كان لك ايميل لاستطعت ارسالها لك انه حلمهم من النيل الي الفرات يروه يتحقق امامهم
واحزناه علينا وعلي غالبية امتنا التي ما زالت لا تريد ان تنهض من سباتها الطويل واستمرئت ظلم وجبروت حكامنا
تحياتي

شخبطة ملوكى يقول...

العزيزة همسات
يسعدنى ايضا افتتاح التعليقات بتعليقك الجميل الذى اعتبره اضافة على الموضوع الاصلى
اشكرك